شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
ذكر الملائكة الموكلين في السماوات والأرضين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى- ذكر الملائكة الموكلين في السماوات والأرضين.
قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن فارس اسم> قال: حدثنا أبو كريب اسم> قال: حدثنا قبيصة بن عقبة اسم> عن نعيم بن ضمضم اسم> قال: حدثنا ابن الحميري اسم> قال: قال لي عمار بن ياسر اسم> رضي الله عنه: ألا أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسم> إن لله تبارك وتعالى ملكا أعطاه أسماء الخلائق كلهم فهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فليس أحد من أمتي صلى علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه فقال: يا محمد اسم> صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا صلى عليك فلان فيصلى الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحد عشرا رسم> .
قال حدثنا محمد بن زكريا القرشي اسم> قال: حدثنا أبو حذيفة اسم> قال: حدثنا سفيان اسم> عن الأعمش اسم> قال: سألت مجاهدا اسم> رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: رسم> وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ قرآن> رسم> قال: هم الملائكة.
قال حدثنا حامد بن شعيب اسم> قال: حدثنا سريج بن يونس اسم> قال: حدثنا هشيم اسم> عن الهيثم بن جماز اسم> عن ثابت اسم> عن أنس اسم> رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وحدثنا حامد اسم> قال: حدثنا سريج بن يونس اسم> وأخبرنا ابن أبي عاصم اسم> قال: حدثنا عمر بن الخطاب اسم> رضي الله عنه قال: حدثنا آدم اسم> قال: حدثنا إسرائيل اسم> عن أبي إسحاق اسم> عن عبد الرحمن بن يزيد اسم> عن عبد الله بن مسعود اسم> رضي الله عنه قال: رسم> رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل اسم> في حلة خضراء قد ملأ ما بين السماء والأرض متن_ح> رسم> .
قال أخبرنا أبو يعلى اسم> قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة اسم> قال: حدثنا عبيد الله اسم> قال: حدثنا إسرائيل اسم> عن أبي إسحاق اسم> عن عبد الرحمن بن يزيد اسم> عن عبد الله اسم> رضي الله عنه في قوله عز وجل: رسم> مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى قرآن> رسم> قال: رسم> رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل اسم> عليه السلام في حلتي رفرف قد سد ما بين السماء والأرض متن_ح> رسم> .
قال أخبرنا ابن أبي عاصم اسم> قال: حدثنا هدبة اسم> قال: حدثنا حماد بن سلمة اسم> عن عطاء بن السائب اسم> عن الشعبي اسم> عن مسروق اسم> عن عائشة اسم> رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رسم> رأيت جبريل اسم> عليه السلام مهبطا قد ملأ ما بين الخافقين عليه ثياب سندس معلق بينها اللؤلؤ والياقوت متن_ح> رسم> .
قال حدثنا أبو بكر البزار اسم> قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد اسم> قال: حدثنا أبو أسامة اسم> قال: حدثنا زكريا بن أبي زائدة اسم> عن ابن أشوع اسم> عن الشعبي اسم> عن مسروق اسم> قال: قلت عائشة اسم> -رضي الله عنها- رسم> أرأيتِ قوله عز وجل: رسم> ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى قرآن> رسم> قالت: جبريل اسم> عليه السلام كان يأتيه في صورة الرجل وأنه أتاه هذه المرة في صورته التي صورته.. متن_ح> رسم> .
قال حدثنا أحمد بن محمد البزار اسم> قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان اسم> قال: حدثنا حسين الجعفي اسم> عن زائدة اسم> عن عاصم اسم> عن زر اسم> عن عبد الله اسم> رضي الله عنه قال: رسم> رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل اسم> عليه السلام في صورته عند السدرة له ستمائة جناح متن_ح> رسم> .
قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن داود اسم> قال: حدثنا إسحاق بن بشار اسم> قال: حدثنا عبيد الله بن موسى اسم> عن موسى بن عبيدة اسم> عن سلمة بن أبي الأشعث اسم> عن أبي صالح اسم> عن أبي سلمة اسم> عن عائشة اسم> رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل اسم> عليه السلام: رسم> وددت أني رأيتك في صورتك قال: وتحب ذاك قال: نعم قال: موعدك كذا من الليلة بقيع الغرقد فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم موعده فنشر جناحا من أجنحته فسد أفق السماء حتى ما يرى من السماء شيء رسم> .
قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن معدان اسم> قال: حدثنا محمد بن حميد اسم> قال: حدثنا مهران اسم> قال: حدثنا سفيان اسم> عن قيس بن وهب اسم> عن مرة اسم> عن عبد الله اسم> رضي الله عنه رسم> وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قرآن> رسم> قال: رأى على ساقيه الدر كالقطر على البقل.
قال حدثنا الوليد اسم> قال: حدثنا محمد بن النصر اسم> قال: حدثنا بكر اسم> عن قيس بن وهب اسم> عن مرة اسم> عن عبد الله اسم> رسم> وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قرآن> رسم> قال: رسم> رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل اسم> معلقا رجليه بالسدرة عليها الدر كأنه قطر المطر على البقل رسم> .
قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الملك اسم> قال: حدثنا مؤمل بن إهاب اسم> قال: حدثنا زيد بن الحباب اسم> قال: حدثنا حسين بن واقد اسم> قال: حدثنا حسين بن عبد الرحمن اسم> عن أبي وائل اسم> عن عبد الله اسم> رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسم> أتاني جبريل اسم> في خضر معلقا به الدر رسم> .
قال حدثنا الوليد بن أبان اسم> قال: حدثنا أبو العباس الحسين بن علي اسم> قال: قرأ علي عامر بن الفرات اسم> عن أسباط اسم> عن السدي اسم> نزل به الروح الأمين قال: جبريل اسم> عليه السلام.
قال حدثنا عمر بن بحر اسم> قال: سمعت أحمد بن أبي الحواري اسم> قال: حدثنا عبد العزيز بن عمير اسم> قال: اسم جبريل اسم> عليه السلام في الملائكة خادم ربه عز وجل قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن داود اسم> قال: حدثنا الحسين بن السميدع اسم> قال: حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي اسم> قال: حدثنا ابن فضيل اسم> عن مجالد اسم> عن الشعبي اسم> عن جابر اسم> رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رسم> روح القدس جبريل اسم> عليه السلام رسم> .
قال حدثنا إسحاق بن أحمد اسم> قال: حدثنا عبد الله بن عمران اسم> قال: حدثنا إسحاق بن سليمان اسم> قال: حدثنا أبو سنان اسم> عن ثابت اسم> عن الضحاك اسم> رحمه الله تعالى رسم> يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا قرآن> رسم> قال: الروح جبريل اسم> عليه السلام. قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الملك اسم> قال: حدثنا مؤمل بن إهاب اسم> قال: حدثنا زيد بن الحباب اسم> قال: حدثنا حسين بن واقد اسم> قال: حدثني عاصم بن أبي النجود اسم> عن أبي وائل اسم> عن عبد الله اسم> رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسم> رأيت جبريل اسم> عليه السلام عند سدرة المنتهى له ستمائة جناح رسم> .
قال حدثنا إبراهيم الإمام اسم> قال: حدثنا سعيد بن أبي زيدون اسم> قال: حدثنا الفريابي اسم> عن قيس اسم> عن عاصم اسم> عن عبد الله اسم> رضي الله عنه قال: رسم> لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى قرآن> رسم> قال: رسم> رأى محمد اسم> صلى الله عليه وسلم جبريل اسم> في صورته له ستمائة جناح ما منها جناح إلا قد سد ما بين المشرق والمغرب متن_ح> رسم> .
قال حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس اسم> قال: حدثنا سلمة اسم> قال: حدثنا أبو المغيرة اسم> قال: حدثنا صفوان بن عمرو اسم> عن شريح بن عبيد اسم> رحمه الله تعالى قال: رسم> لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فأوحى الله عز وجل إلى عبده ما أوحى قال: فلما أحس جبريل اسم> بدنو الرب تبارك وتعالى خر ساجدا فلم يزل يسبحه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة. ثم قضى الله عز وجل إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إلي أن ما بين عينيه قد سد الأفق وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صور مختلفة وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي اسم> وكنت أحيانا لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال رسم> .
قال: أخبرنا أبو يعلى اسم> قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني اسم> قال: حدثنا يعقوب القمي اسم> قال: حدثنا جعفر اسم> عن سعيد اسم> رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: رسم> عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ قرآن> رسم> أي جبريل اسم> صلى الله عليه وسلم رسم> فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا قرآن> رسم> أي أربعة من الملائكة مع جبريل اسم> ليعلم أي محمد اسم> رسم> أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا قرآن> رسم> قال: وما نزل جبريل اسم> بشيء من الوحي إلا ومعه أربعة حفظة من الملائكة.
قال حدثنا عبد الرحمن بن داود اسم> قال: حدثنا هلال بن العلاء اسم> قال: حدثنا موسى بن أيوب النصيبي اسم> قال: حدثنا حجاج بن محمد اسم> عن سفيان اسم> عن سلمة بن كهيل اسم> عن أبي الزعراء اسم> عن أبي مسعود اسم> رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسم> أول من يشفع يوم القيامة جبريل اسم> ثم ميكائيل اسم> ثم عيسى اسم> أو موسى اسم> ثم أقوم أنا الرابع رسم> .
سمعنا هذه الأحاديث والآثار تتعلق بالملائكة وبالأخص ملك الوحي الذي هو جبريل اسم> عليه السلام ذكر العلماء أن وظيفة جبريل اسم> أن ينزل بالوحي؛ لأن الوحي به حياة القلوب, وأن إسرافيل اسم> موكل بالقطر القطر الذي هو الماء والمطر؛ لأن به حياة النبات وحياة الأرض. ذكروا أن جبريل اسم> عليه السلام ينزل على الملائكة كلهم, وفي قصة نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم, أول ما نزل عليه يقول: رسم> إنه جاءه وهو في الغار في صورة رجل يقول: فغطني, قال: لي اقرأ, قلت: ما أنا بقارئ, فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد, ثم قال: اقرأ, قلت: ما أنا بقارئ متن_ح> رسم> أي: لا أحسن, ولا أعرف القراءة, جاءه في صورة إنسان, ولكن لا يراه غيره, ولما رجع إلى أهله قالت له امرأته التي هي خديجة اسم> إذا جاءكَ فأخبرني, جاءه وهي لا تراه, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يراه, فقالت: إن كان من الجن فإنه سيقرب في حالتها وضعت النبي صلى الله عليه وسلم في حجرها, وأبدت شيئا من جسدها- ساقيها وعضديها- فلم يقرب, بل ذهب.
قالت: لو كان رئيا- يعني من الجن- لما هاب، وأقبل, فلما ذهب دل على أنه من الملائكة الذين يحترمون أو يحتشمون أن يقربوا منها وهي على تلك الحال ما تراه, والنبي صلى الله عليه وسلم يراه؛ لأن الله تعالى خص الأنبياء بأن يروه إذا نزل, ويعلموا بنزوله, ولا يراه من حولهم.. ينزل بالوحي. ورد في نفس الحديث, أو في القصة : رسم> أن النبي صلى الله عليه وسلم فَتَرَ عنه الوحي بعد أن نزل عليه لأول مرة, ولما فتر وافتقده عند ذلك صار يشتاق إليه حتى إنه يهم من الشوق إليه أن يتردى من رءوس الجبال, فإذا صعد ناداه الملك وقال: يا محمد اسم> أنت رسول الله, وأنا الملك جبريل اسم> فيسكن روعه رسم> وفي القصة أيضا أنه سمع صوته.
يقول: رسم> فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني في حراء اسم> جالس على كرسي بين السماء والأرض يقول: فرعبت منه فقلت: دثروني- يعني غطوني- فجاء ونزل عليه بـ رسم> يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قرآن> رسم> إلى آخرها متن_ح> رسم> وصفه الله تعالى بالقوة في قوله تعالى: رسم> عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى قرآن> رسم> الْمِرَّة: القوة, شديد القوى علمه, يعني: أنزل عليه هذا الوحي هذه صفة من صفاته أنه ذو مرة يعني ذو قوة وذو شدة.
كذلك أيضا في تفسير قول الله تعالى: رسم> وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ قرآن> رسم> أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب رؤية جبريل اسم> فرآه قد سد الأفق, رآه بالأفق.. الأفق واحد الآفاق, يعني: أفق المشرق, يعني: الشرق كله.. أفق المغرب, يعني: جهة الغروب, يقول: إنه رآه بالأفق المبين, أي: بيّن, وأنه قد سد الأفق. ورد في الحديث أن له ستمائة جناح, وإنه -كما سمعتم- نشر جناحا واحدا, ذلك الجناح سد الأفق, أي سد جهة المشرق, أو جهة المغرب, أليس ذلك دليلا على عظمة خلقه؟ على عظم خلقته التي خلق عليها، وإذا كان له ستمائة جناح, والجناح الواحد يسد الأفق, فكيف تكون بقية الأجنحة؟! وكيف يكون بقية ذاته؟!
لا شك أن هذا دليل على عظمة مخلوقات الله تعالى, إذا كانت هذه عظمة هذا المخلوق, فكيف بعظمة الخالق؟! والواقع أن جبريل اسم> عليه السلام الذي هو ملك الوحي دائما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في صورة إنسان, فجاءه مرة في صورة رجل غريب, رجل كما في حديث عمر: اسم> رسم> شديد بياض الثياب, شديد سواد الشعر, لا يُرَى عليه أثر السفر, ولا يعرفه منهم أحد, هذا جاءه في صورة إنسان, ولما انتهى من الأسئلة وكلمه وأجابه وانصرف قال لهم: ردوه. فذهبوا في أثره, فلم يروا شيئا, اختفى فأخبرهم بأنه جبريل اسم> عليه السلام, وأنه جاءهم ليعلمهم دينهم.. متن_ح> رسم> جاء في صورة إنسان.
كذلك ذكر أنه كان يتمثل كثيرا في صورة دحية الكلبي اسم> فتقول أم سلمة اسم> إنها رأته مرة دحية اسم> إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم, وإذا هو يكلمه, ولكنها لا تسمع كلامهما, ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم، وصعد المنبر وتكلم وقال: رسم> أتاني جبريل اسم> فأوحى إلي, أو أخبرني بكذا وكذا رسم> فعرفت أنه ذلك الرجل الذي جاءه.
في هذه الصورة سماه الله تعالى روحا قال: تعالى: رسم> وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ قرآن> رسم> أي جبريل اسم> عليه السلام وصفه الله تعالى بالروح, وذلك لأن الملائكة أرواح, ولهذا لا يراهم الناس؛ أي أن أصل خلقتهم أرواح, فهو روح, ولكن وصف بأنه أمين, نزل به الروح الأمين، وكذلك وصف أيضا بصفات في قول الله تعالى رسم> إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ قرآن> رسم> هذه صفاته, قول رسول: يعني أن هذا القرآن تبليغ بلّغه هذا الرسول- الذي هو هذا الملك- وأنه أمين, وأنه كريم, أي: كريم على الله تعالى؛ لأنه من عباد الله المكرمين, ومن عباده المطيعين الذين يمتثلون ما أمر الله به.
فهو كريم, وإنه ذو قوة؛ أي قدرة واستطاعة وتمكن, قوة قوية, يقدر على ما أقدره الله عليه مما لا يقدر عليه غيره. ذكر في بعض القصص أن الله تعالى أمره أن يقلب على قوم لوط اسم> ديارهم, وإنه رفع قراهم- رفع قراهم بأمر الله تعالى- حتى سمع أهل السماء نبح كلابهم, ثم قلبها عليهم, يعني: قلب ديارهم, كما قال: تعالى: رسم> فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا قرآن> رسم> هكذا قوة هذا الملك: أنه رفع تلك القرى بجناح من أجنحته! لا شك أن هذا دليل على ما أعطاه الله تعالى من القوة, الله تعالى قادر على أن يقلب بلادهم دون أن يأمر الملك بقلبها, ولكن ليدل على امتثال الملائكة أمر الله تعالى، وَصَفه بأنه ذو قوة عند ذي العرش مكين؛ أي له مكانة عند ذي العرش, أي: عند الله الذي هو رب العرش.
وكان هو الذي ينزل بالوحي على نبينا صلى الله عليه وسلم, حتى قال بعضهم: إنه نزل عليه أكثر من أربعة آلاف مرة، ينزل بالقرآن آية آية أو آيات أو سورا, وينزل أيضا بالأحكام وبالأوامر والنواهي, وأنه لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاةُ جاءه الملك الذي هو جبريل اسم> وقال: يا محمد اسم> هذا ملك الموت يستأذن عليك, ولم يستأذن على أحد قبلك, ولن يستأذن على آدمي بعدك, إلى آخره! هكذا جاء، وأنه لما قبض أو عند قبضه.
قال: سلام عليك هذا آخر موطئ أطؤه في الأرض, إنما كنت أنت حاجتي من الأرض! يدل على أنه كان ينزل عليه بالوحي.
وأما صفته فلا يقدر أحد أن يتمكن من وصفه؛ لكونه من علم الغيب, ولكونه مما حجبه الله تعالى عن البشر.
قد يتمثل بصورة إنسان, وقد يتمثل بغيرها, فهو الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به, أيقظه وجاء به إلى البيت إلى المسجد الحرام اسم> وشقّ قلبه, وغسله وملأه حكمة وإيمانا, وركب معه على البراق-دابة- كما ورد في الحديث يضع حافره عند منتهى طرفه, يعني سريع السير. وكذلك أيضا لما وصل إلى بيت المقدس اسم> قدمه ليصلي بالرسل هناك؛ يعني أحياهم الله أو أحضرت أرواحهم فصلى بهم.
كذلك أيضا عرج به إلى السماء وقت الإسراء فلما جاء إلى السماء استفتح فقيل من هذا؟ فقال جبريل اسم> قيل: ومن معه؟ قال: محمد اسم> قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, فجاءوا وفتحوا، قالوا: مرحبا به وبمن جاء معه! وهكذا في السماوات سماء سماء، إلى أن وصل إلى السماء السابعة, وهناك - شجرة المنتهى- سدرة المنتهى, ولذلك قال تعالى: رسم> وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى قرآن> رسم> أي: رآه على صورته التي خُلِقَ عليها, فيكون رآه مرة في الأرض لما سد الأفق على صورته التي خلق عليها, وهي المذكورة في سورة التكوير: رسم> وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ قرآن> رسم> ثم رآه مرة أخرى فوق السماء السابعة على صورته, وهي المذكورة في قوله: رسم> وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى قرآن> رسم> .
لا شك أن هذا كله دليل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى, حيث جعل من خَلْقه هؤلاء الملائكة الذين خلقهم وصورهم وحجبهم عن رؤيتنا, كما قال الله تعالى عن إبليس: رسم> إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ قرآن> رسم> وجعل خلق الإنسان من هذا الجسد الذي ينمو, والذي له وزن وثقل، وخلق هؤلاء كما شاء والله على كل شيء قدير.
مسألة>